في دمشق.. حُلم خوض النقاشات في المقاهي "يتحقق"
نشرت وكالة الصحافة الفرنسية تقريراً بعنوان: رواد مقاهي دمشق يعيشون "حلم" خوض النقاشات السياسية بدون خوف، وجاء في التقرير:
يتنفّس مهند الكاطع الصعداء ويقول اثناء جلوسه في مقهى دمشقي "هذه أول مرّة في حياتي أستطيع الكلام" من دون خوف من عيون المُخبرين وآذانهم، بعدما سقط حُكم آل الأسد ومعه عقود طويلة من الرّعب.
ويقول الكاطع (42 عاما) "كان هذا من المحظورات.. نحن نعيش حلما الآن".
فحول الطاولات المجاورة، وعلى غرار بقية المقاهي في دمشق، ترتفع النقاشات السياسيّة، وهو مشهد كان حتى وقت قصير جدا ضربا من الخيال.
ويضيف الكاطع وهو يشرب الشاي في مقهى الروضة مستمتعا بالمناخ السياسيّ الجديد "كان ذلك محظورا في زمن الحكم السابق، صحيح أننا شهدنا انفتاحا نسبيا في مرحلة ربيع دمشق، لكن ذلك لم يستمر".
ففي ذلك الوقت، وتحديدا حين خلف بشّار الأسد والده حافظ في رئاسة سوريا في العام 2000، سمحت السلطات بقيام منتديات سياسيّة تطالب بالإصلاحات في بلد حكمه على مدى عقود طويلة الخوف والصمت.
لكن "ربيع دمشق" لم يدم سوى بضعة أشهر، عاد بعدها بشّار ليسلك سيرة والده.
ويروي مهنّد الكاطع "كان المخبرون في كلّ مكان، النادل في المقهى الذي يحضّر لك النارجيلة يمكن أن يكون مخبراً".
بدأ نشاطه السياسيّ في العام 1998، ثمّ فرّ إلى السعودية في العام 2012، بعد نحو عام على انطلاق الاحتجاجات في سوريا.
ويقول "كانت الحياة السياسية تنحصر في اجتماعات سريّة، في بلد يردّد كلّ أبنائه مقولة: +الجدران لها آذان تسمع+".
لكنّه يبدي تفاؤلاً الآن بأن "السوريين لا يمكن أن يقبلوا بعودة الاستبداد والظلاميّة وحكم الحزب الواحد".
في مقهى هافانا الدمشقي، يجتمع حول الطاولات ناشطون ومثقفون، من بينهم فؤاد عبيد البالغ 65 عاماً، والذي كان صاحب مقهى هو أيضاً، قبل أن يضطر الى إغلاقه.
ويقول "كان رجال الأمن يمضون أوقاتهم عندي، يأكلون ويشربون من دون أن يدفعوا شيئا".
ففي زمن بشار الأسد ووالده، كان رجل الأمن عين السلطة بين الناس ويدها، ولم يكن أحد يجرؤ على مواجهته.
والسبت، أعلن رئيس جهاز الاستخبارات الجديد أنس خطاب حلّ الأجهزة الأمنية وإعادة هيكلة المنظومة الأمنية في البلاد.
وأشار خطّاب إلى ما عاناه السوريون "من ظلم وتسلّط النظام السابق، عبر أجهزته الأمنية المتنوعة التي عاثت في الأرض فسادا وأذاقت الشعب المآسي والجراح".
-"أحرار لأول مرّة" -
يقول فؤاد عبيد "كنت أحاول ألا يعرف أحد أنني مالك المقهى، وكنت أطلب من الزبائن ألا يتحدّثوا بالسياسة". أما الآن، فانقلبت الأوضاع رأسا على عقب.
في مقهى الروضة، تتعالى النقاشات السياسيّة بين النراجيل وطاولات النرد، فيما لا يكاد صاحب المقهى أحمد كوزوروش يصدّق ما يرى، هو الذي شاهد مرارا عناصر الأمن يقتادون رجالا وشبانا من روّاد مقهاه.
أما الآن، فالندوات السياسية تُعقد في المقهى، حتى أن مجموعة سياسية ناشئة تعتزم أن تطلق على نفسها اسم "الروضة" تيّمنا بالمقهى، بحسب ما يروي متحمّساً.
على إحدى الطاولات، تجلس الوكيلة العقارية نسرين شوبان البالغة 42 عاما مع زوجها يدخنان النرجيلة. وكانت قد أمضت ثلاث سنوات في السجن بتهمة حيازة دولارات أميركية.
لكن السلطات الجديدة أطلقت سراحها في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الجاري من سجن عدرا الشهير.
وتقول "كانوا يوهموننا بإمكان العفو العام، لكن العفو العام جاء هذه المرّة من الله".
وتضيف "لم يكن أحد يجرؤ على الكلام في المقهى، وكنّا نخاف أن تكون هواتفنا عرضة للتنصّت، نشعر الآن بأننا أحرار لأوّل مرّة".
ومع أن السلطات الجديدة قوامها فصائل مسلّحة من بينها فصائل متشدّدة، لكن ذلك لا يبدو أنه يحجب نسائم الحريّة التي يشعر بها المواطنون في سوريا، حيث تُقام حاليا تُظاهرات في الساحات من دون أي خوف، وهو أمر لم يكن متخيلا قبل أسابيع.
وتقول نسرين شوبان "لم نعد خائفين، وحتى لو أخطأ الجولاني (أحمد الشرع) سنشير إلى الخطأ".
وتختم "مهما جرى، لن يكون أسوأ من بشّار الأسد".