أبرز هذه الدلالات أن نصرالله لم يزوّد إسرائيل “اعلان حرب” علنياً من شأنه أن يوفر لها ذريعة لاطلاق ما تتوعد به من عملية كبيرة في “الشمال” بل ردّ بإعلان ثبات حرب المشاغلة حتى وقف الحرب على غزة كما بتحدي إسرائيل الدخول لإقامة حزام امني في الجنوب. أما الدلالة الثانية البارزة، فكانت في امتناعه عن تحديد الردّ المحتمل على هجمات يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين مكتفياً بتوعد ضمني بالحساب العسير، الأمر الذي فسّره مراقبون بأن الحزب الذي تعرّض لضربة غير مسبوقة يحتاج إلى وقت قد يكون غير قصير لتسديد ردّ يكون في حجم الضربة من جهة، كما أن ثمة احتمالاً بأن تكون هناك مشاورات كثيفة جارية بين الحزب وإيران وحلفاؤهما حول ردّ جماعي منسّق. وتبقى دلالة ثالثة بارزة تمثلت في الوقع الثقيل لفداحة الإصابات وحجمها في جسم الحزب التي تركتها الضربة على نبرة الخطاب الأول لنصرالله بعد هذه الهجمات الأمر الذي عكسه في توجيه الشكر الى جهات كثيرة، مشدداً مرات عدة على أن “الضربة لم تسقطنا”.
وقد توجّه بالشكر إلى “الحكومة اللبنانية ووزارة الصحة ومؤسسات الدفاع المدني والمستشفيات، الذين أبلوا بلاءً حسناً وعدد الإصابات بالعيون كبير”، وقال: “نعرف أن للعدو تفوقاً على المستوى التكنولوجي وقد تعرضنا لضربة كبيرة وقوية وغير مسبوقة لكنها لم ولن تسقطنا. وسنصل خلال وقت قصير إلى نتائج يقينة بشأن التفجيرات وحينها سيُبنى على الشيء مقتضاه”. وأشار إلى أنه “تم تعطيل جزء كبير من أهداف الهجوم. وفي مجزرتَي الثلاثاء والأربعاء كان العدو يريد أن يقتل ما لا يقل عن 5 آلاف إنسان في دقيقتين، وهو تجاوز بعملياته كل الضوابط والقوانين والخطوط الحمر ولم يكترث لأي شيء لا أخلاقيًا ولا قانونيًا”.
وقال: “تعرضنا لضربة كبيرة أمنيًا وإنسانيًا وغير مسبوقة في تاريخ لبنان بالحد الأدنى وقد لا تكون مسبوقة في تاريخ الصراع مع العدو، وقد لا تكون غير مسبوقة على مستوى العالم بهذا النوع”. وأكد أن “بنية المقاومة لم تتزلزل ولم تهتز. وليعرف العدوّ أنّ ما حصل لم يمس لا بنيتنا ولا إرادتنا ولا نظام القيادة والسيطرة ولا حضورنا في الجبهات”. وفي تهديد رئيس الأركان الإسرائيلي بإقامة حزام أمني في الجنوب “رحّب” نصرالله بأي محاولة اجتياح وتحدى إسرائيل القيام بها، وقال: “ما يعتبره العدوّ تهديداً نحن نعتبره فرصة تاريخية ونحن نتمناها.
وما ستقدمون عليه سيزيد تهجير النازحين من الشمال وسيبعد فرصة إعادتهم”. وأعلن أن الردّ الأولي على هذا العدوان هو استمرار جبهة لبنان حتى وقف العدوان على غزة . وأضاف: “لا شك في أنّ العدوان الذي حصل هو عدوان كبير وغير مسبوق سيواجه بحسابٍ عسير وقصاصٍ عادل من حيث يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون، وبالنسبة للحساب العسير، فالخبر هو في ما سترونه لا في ما ستسمعون ونحتفظ به في أضيق دائرة. وقيادة العدوّ الحمقاء النرجسية الهوجاء ستودي بهذا الكيان إلى وادٍ سحيق، وما ستقدمون عليه سيزيد تهجير النازحين من الشمال وسيبعد فرصة إعادتهم”.
التحرك الدولي
في غضون ذلك برزت معالم تحرك دولي واسع لمنع ما يخشى أن يكون استعدادات ميدانية إسرائيلية لعملية عسكرية كبيرة ضد لبنان. ففي باريس عُقد أمس اجتماع أميركي- فرنسي- ألماني- إيطالي- بريطاني لمناقشة التطورات في الشرق الأوسط، كما أن لقاءً ثنائياً جمع وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد الظهر في قصر الإليزيه، فيما يعقد مجلس الأمن الدولي مساء اليوم الجمعة جلسة لمناقشة التطورات في لبنان، وقد انتقل وزير الخارجية عبدالله بوحبيب لهذا الغرض الى هناك.
وعشية جلسة مجلس الأمن وقبيل لقائه بوزير الخارجية الأميركي اتصل الرئيس ماكرون برئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي “وجدد موقف فرنسا المؤازر والداعم لتجاوز الأوضاع الراهنه التي يمر بها لبنان، كما عبّر عن ادانته للتفجيرات التي حصلت في اليومين الاخيرين والتي اوقعت مئات الضحايا، معرباً عن تضامنه وتعاطفه مع لبنان في هذه المحنة الأليمة. ودعا جميع الاطراف الى ضبط النفس وعدم التصعيد الذي لا يفضي إلى أي حل”.
وأوضحت مصادر ديبلوماسية لـ”النهار” أن ماكرون طلب إلى ميقاتي إبلاغ “حزب الله” ضرورة التزام التهدئة وعدم التصعيد لسحب ورقة الاستغلال من يد إسرائيل العازمة على المضي في حربها على الحزب.
وكشفت المعلومات أن لبنان سيطلب اليوم خلال جلسة مجلس الأمن اصدار موقف يدين إسرائيل في هجماتها السيبرانية الأخيرة. وأفيد أن لبنان لمس تعاطفاً دولياً مع طلبه وأن الجو إيجابي، وثمة احتمالات لصدور موقف الإدانة من دون فيتو أميركي، وإنما مع تسجيل تحفظ.
التصعيد بعد الهجمات
وبينما نعى “حزب الله” 25 من عناصره في الساعات الأخيرة، كشف وزير الصحة العامة فراس أبيض أمس أن “حجم الأجهزة اللاسلكية الذي انفجر الأربعاء كان أكبر من اليوم الذي سبق، لذلك كان هناك عدداً أكبر من الإصابات البليغة”. وأعلن أن عدد الشهداء يوم الأربعاء بلغ 25 شهيداً، أما عدد الجرحى، فسجل 608 ولفت إلى أن “عدد شهداء تفجيرات “البيجر” بلغ 12، أمّا عدد الجرحى فـ2323″. وأشار إلى أن “226 حالة ما زالت في العناية المركّزة جراء التفجير الأول لأجهزة الاتصال”.
وخلال القاء السيد حسن نصر الله كلمته خرق الطيران الحربي الإسرائيلي جدار الصوت مرتين فوق الضاحية الجنوبية ومناطق أخرى، فيما كان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي يعلن أنه هاجم أهدافاً للحزب “لإلحاق الضرر وتدمير القدرات الإرهابية للمنظمة وبنيتها التحتية العسكرية”. وأضاف: “لقد حوّل تنظيم “حزب الله” جنوب لبنان إلى ساحة حرب، وقام على مدى عقود بتسليح منازل المواطنين بالسلاح، وحفر تحتها الأنفاق واستخدمها كدروع بشرية. يعمل الجيش الإسرائيلي على خلق الأمن في الشمال، ما يسمح للسكان بالعودة إلى منازلهم، وتحقيق جميع أهداف الحرب الأخرى”. كما أعلنت هيئة البث الإسرائيلية أن رئيس أركان الجيش هيرتسي هاليفي وافق على خطط عملياتية في الجبهة الشمالية.
واعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أن “حزب الله يشعر انه ملاحق وعملياتنا ستتواصل وفي المرحلة الجديدة من الحرب هناك فرص كبيرة ومخاطر كبيرة أيضا”.
وشنّ الطيران الحربي الإسرائيلي غارات على بلدات فرون، القصير، بني حيان، وديرقانون النهر في قضاء صور، بالإضافة إلى استهداف مدفعي لأطراف بلدات شمع، ياطر، وعيتا الشعب. كما تصاعد الدخان من محيط ثكنة ميتات الإسرائيلية بعد استهدافها بصواريخ من جنوب لبنان.
وأفادت القناة 12 الإسرائيلية عن اطلاق نحو 40 صاروخاً من جنوب لبنان باتجاه الجليل الأعلى، بالإضافة إلى إطلاق صواريخ على شمال الجولان. وزعم الجيش الإسرائيلي أنه قتل 3 عناصر من “حزب الله” بعد محاولتهم زرع عبوات ناسفة بالقرب من السياج الحدودي. وكانت معلومات أفادت أن جندياً إسرائيليا قتل وأصيب 14 في قصف صاروخي صباحاً لموقع عسكري في الجليل.