جاء في صحيفة "الاخبار" : يوم الجمعة الماضي، أعلن وزير المال يوسف الخليل، إحالة مشروع قانون موازنة 2025 إلى مجلس الوزراء، مسجّلاً أنه للمرّة الثانية تلتزم الوزارة بالموعد الدستوري للإعداد والإحالة. ويتضمن المشروع نفقات بقيمة 4.77 مليارات دولار مقابل إيرادات بقيمة 4.58 مليارات دولار وعجزٍ بقيمة 196 مليون دولار أو ما يوازي 4.11%. معالم المشروع قائمة على تعديلات في طرق احتساب الضرائب والرسوم من دون استحداث ضرائب ورسوم جديدة، فضلاً عن تمويل العجز بالاقتراض من خلال إصدارات سندات الخزينة.
تشير أرقام مشروع موازنة 2025، إلى أن الوزارة تسعى إلى التوسّع في الإنفاق بنسبة 38.7%، إذ ستبلغ قيمة النفقات المُقدّرة للسنة الجارية نحو 427695 مليار ليرة مقارنة مع 308435 مليار ليرة في موازنة 2024، أي بزيادة قيمتها 119260 مليار ليرة (1.33 مليار دولار). وهذا التوسّع سيتركّز في النفقات الجارية، لكن اللافت أن المبالغ الأكبر منها ليست واضحة. فالنفقات الجارية ستزيد من 276498 مليار ليرة (3 مليارات دولار) إلى 385808 مليارات ليرة (3.9 مليارات دولار)، أي بزيادة قيمتها 830 مليون دولار، منها 475 مليون دولار مخصّصة لـ«تعويضات مختلفة» غير محدّدة إلى جانب تعزيز «احتياطي للرواتب والأجور غير موزّعة» بقيمة 7 ملايين دولار، فيما ستتم زيادة اعتمادات «تعويضات النقل المؤقتة» من 112.5 مليون دولار إلى 174.1 مليون دولار، أي بزيادة 61.6 مليون دولار. رغم ذلك، لم تُسجّل زيادة واسعة في النفقات المخصّصة للمنافع الاجتماعية، إذ إن غالبية التقديمات لموظفي القطاع العام ما زالت على حالها مثل تقديمات المرض والأمومة، وتقديمات الزواج والولادة والوفاة وسائر التعويضات الاجتماعية والعائلية، حتى إن نفقات المعالجة في المستشفيات والمراكز الطبية سجّلت ارتفاعاً طفيفاً من 168 مليون دولار في عام 2024 إلى 182 مليون دولار في عام 2025. لكن أيضاً سُجّلت حالة ثانية من تعزيز الاحتياطات، إذ ازداد «احتياط العطاءات» من 25538 مليار ليرة (285 مليون دولار) إلى 35338 مليار ليرة (394 مليون دولار).
وزادت التحويلات بمبلغ 19366 مليار ليرة (216 مليون دولار) منها زيادة واسعة بقيمة 109 ملايين دولار على المساهمات لغير القطاع العام ولهيئات لا تتوخّى الربح، أي ما يُعرف بأنه تحويلات من الخزينة للجمعيات والمنظمات وسائر القطاع الأهلي الذي يحصل على دعم من الدولة، علماً أن هذه الجمعيات والمنظمات تُعرف بأنها مملوكة من زوجات زعماء ورؤساء أحزاب ونافذين... وقد زادت المخصصات للصيانة بقيمة 6792 مليار ليرة (75.9 مليون دولار) ليصبح مجموع مخصصات الصيانة لعام 2025 نحو 29171 مليار ليرة (326 مليون دولار)، علماً أن القسم الأكبر من هذه النفقات يعود إلى صيانة الطرقات.
وتابعت الصحيفة :
ستزيد الإيرادات في مشروع موازنة 2025 بقيمة 101693 مليار ليرة ( 1.13 مليار دولار) لتبلغ 410128 مليار ليرة (4.58 مليارات دولار). كانت الإيرادات الضريبية تمثّل 78% من مجمل إيرادات موازنة 2024، لكنها في المشروع الجديد ستمثّل 76% أو ما قيمته 326416 مليار ليرة (3.64 مليارات دولار)، بينما ستبلغ قيمة الإيرادات غير الضريبية نحو 83712 مليار ليرة (935 مليون دولار). رغم ذلك، سجّلت الإيرادات الضريبية زيادة في مشروع موازنة 2025 بقيمة 931 مليون دولار فيما زادت الإيرادات غير الضريبية بقيمة 205 ملايين دولار. والإيرادات الضريبية متأتّية من ضرائب على الدخل والأرباح والرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة بشكل أساسي، بينما الإيرادات غير الضريبية متأتّية من حاصلات إيرادات الإدارات والمؤسسات العامة أو ما يشار إليه في الموازنة بـ«أملاك الدولة» والتي تشمل حصة الدولة من إيرادات الكازينو، ومن مرفأ بيروت ومن الاتصالات الدولية والمحلية، ومن مطار بيروت الدولي، وبيع اليانصيب، بالإضافة إلى الرسوم الإدارية والمبيعات مثل رسوم الكُتاب العدل ورسوم الأمن العام والسير والرسوم القضائية ورسوم السوق وإجازات العمل... مضافاً إليها القيم الناتجة من الغرامات والمصادرات والإيرادات المتأتّية من المحسومات التقاعدية والهبات.
اللافت في الإيرادات الضريبية، أن وزارة المال تتوقع أن تزيد إيراداتها من ضريبة الأرباح رغم أنها لم تجر تعديلات جذرية على هذه الضريبة، لكنها تقدّر أنها ستحصل على 29054 مليار ليرة مقارنة مع 16810 مليارات ليرة مقدّرة لعام 2024. في المقابل ستزيد إيرادات ضريبة الرواتب والأجور من 431 مليار ليرة إلى 8488 مليار ليرة. كما ستزيد إيرادات ضريبة الدخل على رؤوس الأموال المنقولة من 1062 مليار ليرة إلى 3875 مليار ليرة. وستتراجع إيرادات ضريبة الدخل على الفوائد لدى المصارف من 2993 مليار ليرة إلى 1440 مليار ليرة. ستنخفض إيرادات الدولة من الأملاك المبنية من 36062 مليار ليرة في عام 2024 إلى 29525 مليار ليرة. أما إيرادات الرسوم الداخلية على السلع والخدمات (رسوم على المواد الملتهبة والمشروبات الروحية وعلى السيارات والأسمنت والمازوت وبيع التبغ والتنباك...) إلى 191266 مليار ليرة (2.13 مليار دولار) غالبيتها مصدرها الضريبة على القيمة المضافة التي ستزيد إيراداتها بقيمة 39 ألف مليار ليرة (436 مليون دولار) لتصبح إيراداتها الإجمالية بقيمة 1.56 مليار دولار (32.8% من مجمل النفقات في الموازنة).
ولم تتضمن موازنة 2024 أي عجز مسجّل، بعكس مشروع موازنة 2025 الذي يسجّل عجزاً بنسبة 4.11% من النفقات. سيتم سداد هذا العجز من خلال قروض داخلية (سندات خزينة بالليرة اللبنانية) بقيمة 17566 مليار ليرة (196.2 مليون دولار)، وهي تُسجل في الموازنة تحت بند «القروض المعقودة من الدولة لصالح الخزينة» في إطار الواردات الاستثنائية. وقد بلغت قيمة النفقات المالية في مشروع الموازنة نحو 31535 مليار ليرة (353 مليون دولار) منها فوائد على القروض الداخلية بقيمة 7482 مليار ليرة وفوائد على القروض الخارجية بقيمة 24002 مليار ليرة. أما النفقات الطارئة والاستثنائية فقد خُصص لها في الموازنة ما قيمته 19587 مليار ليرة، تتم منه تغذية مختلف البنود عند الحاجة.
الى ذلك قالت مصادر مسؤولة لـ "الاخبار" إن التحكّم بسعر الصرف هو أمر متاح في ظل الظروف الحالية طالما أن الحكومة قادرة على التحكّم بإنفاقها، أي إذا تمكنت من إحلال التوازن المالي بين نفقاتها وإيراداتها، فعندها لن تكون للعجز قوّة سوقية تضغط على سعر الصرف.
واشارت المصادر إلى أن التحكّم الآني في سعر الصرف نفّذه مصرف لبنان من خلال التنسيق مع الحكومة واستخدام الآليات الضريبية كآليات لامتصاص السيولة من السوق بالليرة اللبنانية في مقابل تسديد الرواتب والأجور للقطاع العام بالدولار النقدي. هذه الآلية تخلق حلقة ضيقة بين امتصاص السيولة بالليرة وإجبار المكلفين على تحويل ما لديهم من دولارات لتسديد ضرائبهم في مقابل أن تستعمل هذه الدولارات من مصرف لبنان في تسديد مخصصات العاملين في القطاع العام وفي تكوين احتياط بالعملة الأجنبية بلغ لغاية الآن 1.8 مليار دولار.
واشارت المصادر إلى أن هذا الاحتياط يوازي كل ما تملكه الخزينة في مختلف حساباتها بالليرة أو بالدولار (الدولة لديها كمية كبيرة من الأموال المسجّلة بالدولار المصرفي).
غير أنه رغم هذه التأكيدات، بحسب الصحيفة ، لا يمكن الجزم أبداً بأن هذه الآلية قابلة للاستمرار لوقت طويل، إذ إن محدودية القدرة الاستهلاكية في ظل تقشّف الحكومة ستبقي تدفق الدولارات من الخارج إلى الداخل ضمن سقوف متواضعة تنخفض عند كل استحقاق أو حدث ما، في مقابل استمرار تسرّب الدولارات إلى السوق (أو احتفاظ السوق فيها بدلاً من ضخّها بسخاء عبر قنوات مصرف لبنان) من الحلقة التي خلقها مصرف لبنان مع الحكومة، قد يكون في لحظة ما خارج السيطرة. في الأفق ما زالت القدرة على التحكّم بسعر الصرف لبضعة أشهر متوافرة ومغطاة ببعض من الاحتياطات، إنما لا أحد يمكنه الحسم بمصير هذه الحلقة ضمن مدى أبعد من ذلك.