ولم يعد تفصيلاً نافلاً أن يربط مصير الوضع في الجنوب وعبره في لبنان كله بمصير المساعي الآيلة للتوصل إلى تسوية تلجم حرب غزة إذ لوحظ أن مجمل المواقف الدولية باتت تتناول الحرب في غزة والمواجهات الجارية في الجنوب بسواسية تامة الأمر الذي يكشف عمق الخطورة التي تكتنف التحذيرات الدولية من اتّساع الحرب الى لبنان.
وبرز في هذا السياق موقف فرنسي جديد تمثل في تشديد فرنسا مرة أخرى على منع أي حريق إقليمي ينطلق من لبنان، وتكثيفها الاتصالات مع قادة إقليميين من أجل هذا الهدف. ذلك أن بياناً صدر في وقت متقدم من ليل الثلاثاء الماضي عن قصر الإليزيه أفاد أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أجرى اتصالات بكل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة الذي يتولى الرئاسة الحالية لجامعة الدول العربية.
وإذ تركزت الاتصالات على تطورات حرب غزة خلص بيان الإليزيه إلى أنه “خلال تبادلاته مع نظرائه، أكد رئيس الجمهورية الفرنسية دعم فرنسا لجهود السلام التي يقودها فريق الاتصال التابع لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وكذلك خطة وقف إطلاق النار التي اقترحها الرئيس جو بايدن وجهود الوساطة التي تقودها مصر وقطر.
وأكد من جديد التزام فرنسا بالعمل مع شركاء المنطقة ومع شركائها الأوروبيين والدوليين بحثاً عن رؤية مشتركة للسلام تستند إلى حل الدولتين، وهي الرؤية الوحيدة القادرة على تلبية تطلعات الإسرائيليين والفلسطينيين وضمان استقرار المنطقة. وشارك جميع القادة قلقهم العميق بشأن تكثيف التوترات على الخط الأزرق بين إسرائيل ولبنان ودعوا جميع الأطراف إلى تحمل المسؤولية وضبط النفس بأكبر قدر من أجل منع أي حريق إقليمي من شأنه أن يكون له عواقب مدمّرة على بلدان المنطقة والبحث عن منظور للسلام. وأشار ماكرون إلى أن فرنسا ستواصل الانخراط مع شركائها في البحث عن حل ديبلوماسي في لبنان، على أساس القرار 1701″.
نصرالله
والقت مواجهات الجنوب بظلالها على الاحتفالات التي أقيمت أمس في ذكرى عاشوراء لا سيما على الكلمة ألتي القاها الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله في ختام المسيرة العاشورائية الكبرى التي نظمها الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت. وأعلن نصرالله “أن جبهتنا لن تتوقف ما دام العدوان مستمرًا على قطاع غزة وأهلها ومقاومتها بأشكاله المختلفة، وأنّ التهديد بالحرب لم يُخفنا منذ عشرة أشهر عندما كانت إسرائيل في عزّ قوّتها كما يُقال، عندما كانت إسرائيل لا تُعاني لا من نقص في القادة ولا من نقص في الجنود ولا من نقص في الدبابات ولا من نقص في الذخيرة. على مدى عشرة أشهر هُدّدنا وهُوّل علينا بالحرب ولم نتردّد ولم نتراجع ولم نتوقف، واليوم نُعيد ونؤكد أنّ جبهة إسنادنا ستستمر ما دام العدوان مستمرًا على غزة، ولن نتوقف على الإطلاق”.
ولفت إلى “تمادي العدو باستهداف المدنيين في الأيام القليلة الماضية. في الأيام الماضية شهيدان مدنيان في كفركلا، ثلاثة شهداء، أخ وشقيقتاه في بنت جبيل، شهيدان مدنيان من التابعية السورية بين أرنون وكفرتبنيت، ثلاثة شهداء من الأطفال في أم التوت في القرية القريبة من الحدود. هذا التمادي ردّت المقاومة عليه أمس ليلًا بعشرات الصواريخ، ما يُقارب 120 صاروخًا، واستهدفت كريات شمونة والعديد من المستعمرات، ست، سبع مستعمرات في الليل”.
وأضاف: “أنا اليوم أريد أن أقول للعدو إنّ التمادي في استهداف المدنيين سيدفع المقاومة إلى إطلاق الصواريخ واستهداف مستعمرات جديدة لم يتم استهدافها في السابق”. وأشار إلى أنه “في حال توقّف العدوان وستأتي الوفود المفاوضة لتفاوض على مستقبل الجنوب. أولًا، الجهة التي تُفاوض باسم لبنان هي الدولة اللبنانية، وأبلغنا كل من اتصل بنا أنّ الجهة المعنية بالتفاوض وبإعطاء الأجوبة هي الدولة اللبنانية. ثانيًا، كل ما يُشاع عن اتفاق جاهز للوضع عند الحدود الجنوبية هو غير صحيح، لم يتم حتى الآن أي اتفاق، هناك مسودات، هناك أفكار، هناك طروحات، هذا متروك للوقت. ثالثًا، مستقبل الوضع في الجنوب سيتقرّر على ضوء نتائج هذه المعركة التي ستنتصر فيها جبهات المقاومة إن شاء الله”.
وقال: “أيًا يكن الدعم الذي ستُقدّمه الدولة اللبنانية لأهلنا في القرى في الجنوب وخصوصًا في القرى الأمامية، نحن نؤكد لأهلنا الذين هُدّمت بيوتهم بالكامل أو بشكل جزئي، أننا سنعمل وإياكم يدًا بيد وكتفًا بكتف وبكل وضوح نحن نُطلق هذا الوعد، كما أطلقناه في السابق، سنعيد إعمار بيوتنا ومنازلنا، سنشيّد قرانا الأمامية كما كانت وأجمل ممّا كانت، لأنّ كل قرانا الأمامية هي رمز شرفنا وكرامتنا ومقاومتنا وصمودنا، أهلها، رجالها، نساؤها، أطفالها، جدرانها، باحاتها، ميادينها، بُرك مائها، كل ما فيها”.
لبنان يفاوض
اما في الموقف الرسمي، فأعلن وزير الخارجية عبدالله بو حبيب الموجود في نيويورك أن “التجديد لليونيفيل سيتم بصيغة العام الماضي نفسها الا بحال نجحت مفاوضات الجنوب بالتوصل الى اتفاق يحتّم تغييرات”. ودعا بو حبيب مجلس الامن الدولي إلى أن يرعى مفاوضات الجنوب وصولاً الى اتفاق لتطبيق الـ1701 من دون التقليل من دور المفاوضين. وأكد أن على “اسرائيل القبول بوقف عدوانها ولبنان مستعد للتفاوض غير المباشر والتقيتُ آموس هوكشتاين لهذا الغرض”.
ووصل بو حبيب إلى نيويورك للمشاركة في النقاش المفتوح حول الحالة في الشرق الأوسط، الذي عقد في مجلس الأمن وعقد لقاءات ثنائية شملت وزير خارجية الكويت عبدالله علي عبدالله اليحيا، ووزير خارجية البحرين عبداللطيف بن راشد الزياني، ووزير خارجية أرمينيا أرارات ميرزويان. كذلك عقد لقاءات ثنائية مع كل من المندوبة الدائمة للولايات المتحدة الأميركية ليندا توماس غرينفيلد، والمندوب الدائم لفرنسا نيكولا دو ريفيير، والمندوب الدائم لجمهورية الصين الشعبية فو كونغ، والمندوبة الدائمة للمملكة المتحدة باربارة وودوارد.
وشدد بو حبيب، خلال لقاءاته، على “ضرورة خفض التصعيد في المنطقة وفي جنوب لبنان، وعلى أهمية تنفيذ القرار 1701 بالكامل”. وحذّر “من العواقب الكارثية التي ستطرأ في ظلّ أي تصعيد إسرائيلي تجاه لبنان، أو أي إجتياح إسرائيلي للبنان، مُنَبّهاً من توسّع رقعة الحرب لتصبح حرباً إقليميةً”.
الوضع جنوباً
على صعيد الوضع في الجنوب ورغم انحسار نسبي أمس في وتيرة المواجهات، نفذ الطيران الحربي الإسرائيلي ثلاث غارات استهدفت كلاً من البستان ووادي الزرقاء قرب طيرحرفا وعيتا الشعب وأم التوت مجدداً، والتي كان استهدفها بغارة من مسيّرة أمس ما أدى إلى سقوط ثلاثة اشخاص من النازحين السوريين، ما رفع عدد الضحايا السوريين الذين سقطوا إلى خمسة بعدما كان سقط اثنان بغارة مسيّرة قرب الخردلي اثر استهداف دراجتهما النارية بصاروخ . كما شهدت منطقتا وادي حسن قرب مجدلزون ووادي زبقين تساقطاً لعدد من القذائف بعيدة المدى فيما استهدف أحد منازل بلدة يارين بصاروخ أرض – أرض موجه. في المقابل، أعلن “حزب الله” قصف مستوطنتي “ساعر” و”غشر هازيف” الإسرائيليتين بعشرات صواريخ الكاتيوشا.